فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

228 – مسألة:
قوله تعالى: {لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقال بعده: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وبعده: {لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}؟ جوابه: أما آية وآيات فلتعدد الآيات في الوسطى واتحادها في الأولى والثانية. وأما: {يَتَفَكَّرُونَ} و{يَعْقِلُونَ} فقد تقدم في سورة الرعد. وأما: {يذكرون} بالياء، فلأن فائدة التفكر والتعقل هو التذكر بما خلق ذلك له، وهو معرفة الله سبحانه وتعالى.
229 – مسألة:
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} وفى فاطر: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}؟.
جوابه:
أن آية النحل: سيقت لتعداد النعم على الخلق بدليل تقديم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ}.
وآية فاطر: سيقت لبيان القدرة والحكمة بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآية، فتكرر {منه} في النحل لتحقيق المنة والنعمة، ولذلك عطف {وَلِتَبْتَغُوا} بالواو العاطفة لمناسبة تعدد النعم. كما تقدم.
وقدم {مَوَاخِرَ} على {فيه} لأنه امتن عليهم بتسخير البحر، فناسب تقديم {مَوَاخِرَ} أي شاقة للماء وأيضا ليلى المفعول الثاني المفعول الأول لـ {ترى} فإنه أولى من تقديم الظرف.
وأما آية فاطر فحذف {منه} لدلالة {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ} عليها، وقدم {فيه} له على {مَوَاخِرَ} لأن شق الفلك الماء لجريانه فيه آية من آيات الله تعالى فالتقدم فيه أنسب للفلك.
230 – مسألة:
قوله تعالى: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} هنا، وفى الزمر: {فَبِئْسَ} بحذف اللام؟ جوابه: لما تقدم هنا شدة كفر المذكورين من صدهم وضلالهم وإضلالهم، ناسب ذلك التأكيد بذكر اللام، ولذلك لما أكد في ذكر أهل النار أكد في ذكر أهل الجنة بقوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}، وأية الزمر: خلية من ذلك فلم يؤكد فيها.
231 – مسألة:
قوله تعالى: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} أفرد اليمين وجمع الشَّمَائِل؟.
جوابه: والله أعلم، أن الآية نزلت بمكة والظل فيها إلى جهة اليمين، وهو يمين الكعبة مدته قليلة، وهو قليل أيضا ما يكون.
والظل إلى جهة الشام وهو شمال الكعبة تطول مدته، وتكثر مساحته، فناسب إفراد اليمين لقلة مسافته ومدته، وجمع الشمائل لطول مدته ومسافته.
وقيل فيه غير ذلك: وهذا أنسب مما قيل فيه والله أعلم.
232 – مسألة:
قوله تعالى: {فَتَمَتَّعُوا} وفي العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُوا}؟.
جوابه: أن آيات النحل والروم للمخاطبين فجاءت العنكبوت للغائبين، فناسب ذكر اللام فيه.
233 – مسألة:
بغير لام، وفى قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} وقال: {عَلَيْهَا}، وفي فاطر: {بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ} وقال: {عَلَى ظَهْرِهَا}؟.
جوابه:
أن آية النحل جاءت بعد أوصاف الكفار بأنواع كفرهم في اتخاذهم إلهين اثنين، وكفرهم وشركهم في عبادة عبادة الله سبحانه، وجعلهم للأصنام نصيبا من مالهم، ووأد البنات، وغير ذلك، وكل ظلم منهم، والسب قوله تعالى: {بِظُلْمِهِمْ} ولم يتقدم مثل ذلك في فاطر.
وأما {عليها} والمراد: الأرض، فإنه شائع مستعمل كثير في لسان العرب لظهور العلم به بينهم ولكراهية أن يجتمع ظاءان في جملتين مع ثقلها في لسانهم، لأن الفصاحة تأباه ولم يتقدم في فاطر ذلك فقال: {عَلَى ظَهْرِهَا} مع ما فيه من تفتن الخطاب.
234 – مسألة:
قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} وفى المؤمنين: {مِمَّا فِي بُطُونِهَا}؟.
جوابه:
أن المراد في آية النحل البعض، هو الإناث خاصة، فرجع الضمير إلى البعض المقدر، ودليله تخصيص الآية باللبن وهو في الإناث خاصة.
وآية سورة المؤمنين: عامة للجميع بدليل قوله تعالى: {ولكم فيها منافع} الآيات فعم الذكر والأنثى كما عمهما لفظ الإنسان قبله.
235 – مسألة:
قوله تعالى: {كَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} وقال في الحج: {مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} بزيادة {من}؟.
جوابه: أن {بَعْد} يستغرق الزمان المتعقب للعلم من غير تعين ابتداء وانتهاء، فلما أتى ما قبل آية النحل مجملا جاء بعده كذلك مجملا، وفى الحج أتى ما قبلها مفصلا من ابتدائه بقوله تعالى: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} إلى آخره بعده كذلك مفصلا من ابتدائه مناسبا لما تقدمه من التفصيل.
236 – مسألة:
قوله تعالى: {وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} وفى العنكبوت: {يَكْفُرُونَ} بغير {هُمْ}؟.
جوابه: ما تقدم أن آية النحل سياقها للمخاطبين متصل بقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} الآية، ثم عدل إلى الغيبة بقوله تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} فناسب {هُمْ} توكيدا للغيبة، كي لا يلتبس الغيبة بالخطاب.
وآية العنكبوت للغائبين، فناسب حذف {هُمْ} منه لعدم اللبس.
237 – مسألة:
قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء} ثم قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} وظاهره واحدة كما تقدم قبل ذلك؟.
جوابه:
أنه لما ختم الآيات المذكورة في هذه السورة بهذه الآية كانت هي وما قبلها آيات فتكون الإشارة بذلك إلى مجموع ما تقدم من الآيات والله أعلم. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

المتشابهات:
فيها في موضعين {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} بالجمع، وفى خمسة مواضع: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} على الوحدة. أَما الجمع فلموافقة قوله: {مُسَخَّرَاتٌ} في الآيتين؛ لتقع المطابقة في اللفظ والمعنى.
وأَمّا التوحيد فلتوحيد المدلول عليه. من الخمس قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} وليس له نظير، وخصّ بالذِّكر لاتِّصاله بقوله: {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ}؛ فإِن اختلاف أَلوان الشىء وتغيّر أَحواله يدلّ على صانع حكيم لا يشبهها ولا تشبهه، فمن تأَمل فيها اذَّكَّر.
ومن الخمس: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في موضعين، وليس لهما نظير، وخُصّتا بالفكر؛ لأَن الأُولى متصلة بقوله: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وأَكثرها للأَكل، وبه قوام البدن، فيستدعى تفكيرا وتأَمّلًا، ليعرف به المنعِم عليه فيشكره.
والثانية متَّصلة بذكر النحل، وفيها أُعجوبة: من انقيادها لأَميرها، واتِّخاذها البيوت على أَشكال يعجز عنها الحاذق منَّا، ثم تتبُّعها الزَهَر والطلى من الأِشجار، ثم خروج ذلك من بطونها لُعابا أَو وَنِيما، فاقتضى ذلك فكرًا بليغًا، فختم في الآيتين بالتفكُّر.
قوله: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ}، وفى الملائكة: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ}، ما في هذه السورة جاء على القياس؛ فإِن {الفلك} المفعولُ الأَوّل لترى، و{مَوَاخِرَ} المفعول الثانى، و{فيه} ظرف، وحقُّه التأَخُّر.
والواو في {ولتبتغوا} للعطف على لام العلة في قوله: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ}.
وأَمّا في الملائكة فقدّم {فيه} موافقة لما قبله، وهو قوله: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِّيًّا} فقدّم الجارّ والمجرور، على الفعل والفاعل، ولم يزد الواو على {لتبتغوا} لأَن اللام في {لتبتغوا} هنا لام العلة، وليس يعطف على شيء قبله.
ثم إِن قوله: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} و{فِيهِ مَوَاخِرَ} اعتراض في السورتين يجرى مجرى المثل، ولهذا وَحّد الخطاب، وهو قوله: {وترى} وقبله وبعده جمع، وهو قوله: {لتأكلوا} و{تستخرجوا} و{لتبتغوا}، وفى الملائكة: {تأكلون} و{تستخرجون}، {لتبتغوا} ومثله في القرآن كثير، منه {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} وكذلك {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}، {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} وأمثاله، أَى لو حضرت أَيها المخاطب لرأَيته في هذه الصفة؛ كما تقول: أَيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، فتأَمل فإِن فيه دقيقة. قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} وبعده: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} إِنما رفع الأَول؛ لأَنهم أَنكروا إِنزال القرآن، فعدلوا عن الجواب، فقاولا: أَساطير الأَولين.
والثاني من كلام المتقين، وهم مقِرّون بالوحى والإِنزال، فقالوا: خيرًا، أَى أَنزل خيرًا، فيكون الجواب مطابقًا، و{خيرا} نَصْب بأَنزل، وإِن شئت جعلت {خيرا} مفعول القول، أَى: قالوا خيرًا ولم يقولوا شَرّا كما قالت الكفَّار، وإِن شئت جعلت {خيرا} صفة مصدر محذوف، أَى قالوا قولا خيرا، وقد ذكرت مسأَلة {ماذا} في مواضعه.
قوله: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ليس في القرآن نظيره للعطف بالفاء على التعقيب في قوله: {فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} واللام للتأكيد تجرى مجرى القسم موافَقة لقوله: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} وليس له نظير، وبينهما: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ}.
قوله: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} هنا وفى الجاثية، وفى غيرهما {مَا كَسَبُواْ}؛ لأَن العمل أَعمّ من الكسب، ولهذا قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وخُصّت هذه السورة بالعمل لموافقة ما قبله: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولموافقة ما بعده وهو قوله: {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} ومثله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} في الزمر، وليس لها نظير.
قوله: {لَوْ شَاء اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} قد سبق. قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} قد سبق.
قوله: {لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ومثله في الروم وفى العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} باللام والياء.
أَما التاء في السورتين فبإِضمار القول أَى قل لهم: تمتعوا، كما في قوله: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} وكذلك: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ}.
وخصصت هذه السّورة بالخطاب لقوله: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم} وألحق ما في الروم به.
وأَمّا {ما} في العنكبوت فعلى القياس، عطف على اللام قبله، وهى للغائب.
قوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} وفى الملائكة: {بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} الهاء في هذه السورة كناية عن الأَرض، ولم يتقدّم ذكرها.
والعرب تجوّز ذلك في كلمات منها الأَرض، تقول: فلان أَفضل مَنْ عليها، ومنها السماء، تقول: فلان أَكرم مَن تحتها، ومنها الغداة تقول: إِنها اليوم لباردة.
ومنها الأَصابع تقول: والذى شقَّهن خَمسا من واحدة، يعنى الأَصابع من اليد، وإِنما جوّزوا ذلك لحصولها بين يَدَىْ متكلم وسامع.
ولمّا كان كناية عن غير مذكور لم يُزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدّابة؛ لأَن الظهر أَكثر ما يستعمل في الدابَّة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «المنبتُّ لا أَرضا قطع ولا ظهرا أَبقى» وأَما في الملائكة فقد تقدّم ذكر الأَرض في قوله: {أَوَلَمْ يَسِيْرُواْ فِيْ الأَرْضِ} وبعدها: {وَلاَ فِيْ الأَرْضِ} فكان كناية عن مذكور سابق، فذكر الظهر حيث لا يلتبس.
قال الخطيب: إِنما قال في النحل: {بِظُلْمِهِمْ} ولم يقل: على ظهرها احترازا عن الجمع بين الظاءين؛ لأَنها تثقل في الكلام، وليست لأُمّة من الأُمم سوى العرب.
قال: ولم يجئ في هذه السّورة إِلا في سبعة أحرف؛ نحو الظلم والنظر والظلّ وظلّ وجهه والظفر والعظم والوعظ، فلم يجمع بينهما في جملتين معقودتين عَقْد كلام واحد، وهو لَوْ وجوابُه: قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ} وفى العنكبوت: {مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَآ} وكذلك حذف {من} من قوله: {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} وفى الحج {مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} فحذف {من} في قوله: {بَعْدِ مَوْتِهَآ} موافقة لقوله: {بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} وحذف {من} في قوله: {بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} لأَنه أَجمل الكلام في هذه السورة، فقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} وفصّله في الحجّ فقال: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} إِلى قوله: {وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى} فاقتضى الإِجمال الحذفَ، والتفصيل الإِثباتَ فجاء في كل سورة ما اقتضاه الحال.
قوله: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وفى المؤمنين {فِي بُطُوْنِهَا} لأَن في هذه السورة يعود إِلى البعض وهو الإِناث لأَن اللبن لا يكون للكل.
فصار تقدير الآية: وإِن لكم في بعض الأَنعام، بخلاف ما في المؤمنين، فإِنه لمّا عطف ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض- وهو قوله: {وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا} لم يحتمل أَن يكون المراد البعض، فأنَّث حملا على الأَنْعام، وما قيل: إِن {الأَنعام} هاهنا بمعنى النعم لأَن الأَلف واللام يُلحِق الآحادَ بالجمع والجمعَ بالآحاد حسنٌ؛ إِلا أَن الكلام وقع في التخصيص، والوجه ما ذكرت، والله أَعلم.
قوله: {وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} وفى العنكبوت {يَكْفُرُونَ} بغير {هم} لأَن في هذه السورة اتَّصل الخطاب {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} ثم عاد إِلى الغيبة فقال: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} فلابد مِن تقييده بهم لئلا يلتبس الغَيْبَة بالخطاب والتاء بالباء.
وما في العنكبوت اتصل بآيات استمرّت على الغَيبة فلم يحتج إِلى تقييده بالضمير.
قوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} كرّر إِنّ، وكذلك في الآية الأخرى {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} لأَن الكلام لمّا طال بصلته أَعاد إِن واسمها وثمّ، وذكر الخبر.
ومثله {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} أَعاد {أن} لمّا طال الكلام.
قوله: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا} وفى النمل: {وَلاَ تَكُنْ} بإِثبات النون.
هذه الكلمة كثر دَوْرها في الكلام فحذف النون فيها تخفيفًا من غير قياس بل تشبُّها بحروف العلَّة.
ويأتى ذلك في القرآن في بضعة عشر موضعا تسعة منها بالتاء، وثمانية بالياء، وموضعان بالنون، وموضع بالهمزة.
وخصّت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ} والثاني أَن هذه الآية نزلت تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم حين قتل حمزة ومثِّل به فقال عليه السلام: «لأَفعلنَّ بهم ولأَصنعنَّ»، فأَنزل الله تعالى: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلِّى، وجاء في النمل على القياس، ولأَن الحزن هنا دون الحزن هناك. اهـ.